بسم الله الرحمن الرحيم:
أخي الفاضل الموضوع متعلق بالأم والبنت والأخت شقائق الرجال، حيث تتوالى الدعوات لإخراجهن من بيوتهن، ونزع الحشمة، والوقار عنهن، حيث تدعو بعض المقالات لمشاركة المرأة في الرياضة، ودخولها المدرجات من بعض الكُتاب -هدنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه- بعضهم يكتب بحسن نية، وبعضهم بسوء فهم، وبعضهم! والله العالم بالسرائر.
إن المسلم ليعجب من هذه الأطروحات المتوالية، لتغيير نمط المرأة المسلمة، في هذه البلاد المجتباة ومخالفة السائد على هذا المجتمع المثالي الطيب النقي الذي عرف فيه كل من الجنسين دوره وأدى وأجبه، فما الذي أحزنهم في المرأة السعودية المسلمة؟ هل هي عفتها ووقارها؟ أم حشمتها وجلبابها المهيب؟ والله إن العاقل ليحار كيف يتجرأ مسلم على دعوة المرأة إلي الخروج إلى الملاعب، والله تعالى يقول:{وقرن في بيوتكن} ايسمعوا لقولهم؟ أو لقول ربنا جل في علاه، سبحان ربي كيف يحادونه.
كيف يجرؤ عاقل على دفعها إلى المدرجات، لتناصر إحداهن فريقاً، وتآزر الأخرى فريقاً آخر، والنبي يقول: «المرأة إذا خرجت إستشرفها الشيطان، وأقرب ماتكون من ربها وهي في قعر بيتها»، وسأل علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها ماخير للمرأة؟ فقالت: «الاترى الرجال، ولا يراها الرجال».
أماعلم أولئك الداعون لخروجها إلى المدرجات، أن الجبار قال في كتابه العظيم:{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} فهم يخالفون في دعواهم ذلك الأمر الرباني، حيث يدعونها لإطلاق بصرها، على مفاتن الرجال وعوراتهم المخففة، بلسان الحال لا بلسان المقال، فهل ستأتي إلى الملعب وتغمض عينيها عن مشاهدة عورات الرجال؟ أم ستاتي مطلقه البصر؟ لا، بل ستأتي مطلقة بصرها، على مفاتن شباب يركلون الكورة وهم في عنفوان شبابهم، وقد تفتن بعضهن باللاعبين، ولماذا لاتفتن؟ وقد سرحوا شعورهم، وكشفوا عن أفخاذهم، فهل يجوز لمسلمة حضور هذا المشهد؟ وهل يجيز مسلم لها ذلك؟ أماتت الغيرة؟ أم ضعف الإيمان؟ أم ماذا؟
المضحك المبكي أن بعضهم، قاس قياساً فاسداً عند علماء الأصول، فقال: أليست تراهم عبر الشاشات؟ فما الذي يمنع أن تراهم في الملاعب مباشره؟ فسبحان ربي ما أحلمه، هل أجاز لها أحد النظر إلي عورات الرجال عبر الشاشات؟ ناهيك على أن المفاسد درجات، فخطأ تفعله في بيتها، مستترة بستر الله، لا يقارن بمعصية ظاهرة، فيها معاندة للحق ومكابرة، وجاء في الحديث «كل أمتي معافى إلا المجاهرين» الأدهى والأمر، أن يستدل بعض من دعا إلى خروجها إلى المدرجات، بما يحدث في بعض الدول من حضور النساء للمباريات، مغترين بكثرة الدول التي أذنت لهن بذلك، فهل نسوا؟ أو تناسوا؟ قول الله عزوجل: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك} فبدلاً من أن يحثوا تلك الدول، إلى الإقتداء ببلد الحرمين، ومبعث النبوة، بحفظ نسائهم كما حفظها أهل بلادنا، يدعونا للإقتداء بهم هل أنقلبت المفاهيم؟ فأصبح الحق باطل، والباطل حق؟ أم ماذا دهى القوم؟
وثالثة الأثافي: أن هناك من دعى حضور النساء إلي المباريات، والنظر إلى عورات الرجال، مستدلاً بأن الرجال ينظرون إلى أفخاذ الرجال، فما المانع أيضا عنده من نظر النساء إلي أفخاذ الرجال؟ سبحان ربي، ما أدري كيف جرأ على هذا الاستدلال مُسلم؟ بربكم هل رأيتم أعجب من هذا؟ فناهيك على أنه قاس فاسداً على فاسد، فإنه نسي أو تناسى أن فتنة الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل هي الأصل، وهي التي فطر الناس وجبلوا عليها، فحرمة نظر المرأة إلى عورة الرجل، والرجل إلى عورة المرأة أشد، فالمحرمات درجات، ولكنها كما قال تعالى: {إنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
والعجيب أن بعض من إستهواه مثل هذا الطرح، يظن بأن الناس بُلهاء، وفي غباء وجهل، فيحاول أن يطمئنهم، بأن ذلك الحضور الذي يطالب به، يجب أن يكون وفق ضوابط شرعية فوا عجباً منه فهل انضبط هو بالشرع، وكف عن هذا القول؟
وما أدري ماهي ضوابطه؟ فهل سيجعل لها وفق هذه الضوابط مدرجات خاصة؟ وبوابات خاصة؟ وما أدري هل هذه المدرجات والبوابات الخاصة ستكون في نفس ملعب المباراة التي سيحضرها الجماهير من الرجال؟ أم في ملعب آخر محرمُ على الرجال دخوله؟ فحتماً ستكون المدرجات والبوابات، في نفس ملعب الرجال.
وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيجعل بين جماهير الرجال والنساء سواتر؟ وهل ستكون خرسانة أم حديدية؟ ومن اللذين يستطيعون عزل الرجال عن النساء في مدرجات تمتلئ بعشرات الآلاف؟ ومن سيضبط ألوف مؤلفة هائجة هادرة، من جماهير جلهم شباب في عنفوانهم، ومشجعات جُلهن فتيات في قمة أنوثتهن؟ فلا شك عند الدخول سوف يختلط الحابل بالنابل، وتحدث الشرور والفتن، وبعضهم لايعتبر هذه شرور ولا فتن! لانهما تعلم العلم الشرعي ولا فقهه.
ماذا ستصنع ضوابطه لو حدثت مشاكل بين جماهير الفريقين في المدرجات، فلا شك أن الأمر وقانا الله تعالى وإياكم من الشر، سيكون أدهي وأمر، فلا يمكن لأحد ضبطه، وان ضبطهم يوماً، فلن يضبطهم بعد ذلك.
هل يعلم الداعون إلى خروجها عن المشاكل التي تحدث بين الجماهير فتضطر إداراة الملاعب إلى تُقسم المدرجات بين أنصار الفريقين، فإذا كان تقسيم المدرجات بين أنصار الفريقين المتباريين، يُحدث أزماتٍ وخلافاتٍ وشقاق، فكيف إذا قُسم الملعب إلي أربعة أقسام؟ لذكور فريق قسم، ولإناثهم قسم آخر، ولذكور الفريق الآخر قسم، ولإناثهم قسم، فلا شك أن اللغط سيكون أكثر والخلاف أظهر والمشاكل والشر أبين.
كما أن من مفاسد وجودها في المدرجات، أن هناك من الجماهير من تنفلت أعصابهم، ولا يتحكمون في تصرفاتهم، حيث يطلقون ألفاظا نابية، على لاعبي ومناصري منافسيهم، يستحي الرجل من سماعها، فكيف بقارورة سريعة الإنكسار وفتاة جبلة على الستر والحياء؟ فهل يرضى من في قلبه غيرة أن تستمع لكلام قبيح إحدى محارمه؟ أيرضى بكسر حياءها؟
فإذا كان التحزبُ والتعصبُ لنادٍ دون ناد ٍ ممقوت إذا حدث ذالك من الذكور؟ فإنه ولا شك من الإناث أشد وأنكى.
ولو أذن لها بذلك -لا أرنا الله ذلك اليوم- أيا ترى هل ستأتي المرأة إلي الملعب متبرجة، أم بحجاب كامل؟ وستكون طوال وقت المباراة صامته صامدة لاتسمعُ لها همسا؟ من قال ستأتي بحجاب كامل فهو مخالف للواقع، ويكذب على نفسه، بل ستأتي بعضهن بحجاب ناقص، وغالبهن متبرجات بزينة، مناصرات لفرقهن بأصواتهن، وبإهتزازتهن، وتمايلهن، غالبهن متوشحات بأعلام فرقهن، واضعات رسومات على خدودهن، وجباههن لشعار أنديتهن، ملونات لشعورهن بألوان فرقهن، رافعات الصوت بالتشجيع والمؤازرة، يتمايلن طرباً عند كل هدف لفرقهن، بحيث تتطاير الواحدة منهن من مقعدها، كما يتطاير الرجال من مقاعدهم، تعانق الواحدة من بجانبها، بلا شعور منها، طربا بإنتصار فريقها.
أما علم أخواننا المطالبين بخروج المرأة إلى المدرج، بأن جماهير أهل العلم لا يرون للمرأة رفع الصوت بالتلبية مع أن التلبية ذكر لله، وفي موقف مهيب، ومع ذلك لم يشرع للمرأة رفع الصوت بها، بل تُسمع نفسها، وذلك خشية الفتنة، أن تَفتن وتُفتن، ذلك في موطن القلوب فيه لله مُخبته، إذا كان ذلك شأنها في شعيرة من شعائر الإسلام، فهل يجوز لها في موطن لهو، رفع الصوت بتحزب وتعصب؟ سبحان ربي ما ألطفه وأرحمه وأحلمه.
أماعلم الداعي لخروجها للمدرجات، أن ضرب المرأة لقدميها بحضرة الرجال مُحرم بالإجماع، خشية الفتنه، فهل ياترُى ستلتزم بهذا الأمر، وستكون في المدرجات جامدة؟ أم أنها ستزيد على الضرب بقدميها، الرقص والتمايل؟ أتركُ لكم الجواب
ألا يرى هؤلاء القوم، ولا يسمعوا، عن مآسٍ تحدثُ في مدرجات بلاد الشرق والغرب؟ أيريدون أن ينقلوا ذلك الشر لفتياتنا ولبلادنا؟ وقانا الله وبلادنا وعوراتنا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
إن في دخول المرأة للمدرجات، مفاسد لا تُعد ولا تُحصى، فهل فكر أولئك الداعون لخروجها، ماذا سيحدث من مفاسد وشرور عند خروجهن من الملعب؟ وهل الخروج كالدخول؟ فإن كان الدخول مُنظماً على فترات متقطعة قد تصل إلى عشر ساعات، ومع ذلك لايخلوا من مفاسد وشرور، فإن الخروج سوف يكون أشد وأنكى، لأنه سيكون في وقت واحد، حيث يتزاحم عند الأبواب الرجال والنساء، فيختلط الحابلُ بالنابلِ، فتحدث ُفوضى، وأمور لا تُحمد عُقباها.
كما أن في حضورها للمباريات، ودخولها وخروجها، أشغالٍ لرجال الأمن، في أمورهُم في غنى عنها، فهل البلد بحاجة إلى مثل هذه الفوضى؟
ما الذي سيجنيه مجتمعِنا من مثل هذه الدعوات؟ فالمجتمع محافظ، وتجاربه في المحاَفظة على الفضيلة تُذكر وتُشكر، وبها يقتدي والبلد مُتدين بحمد الله، فوقنا الله شر الفتن بسبب تدينه، وتمسكه بكتاب ربه وبسنة نبيه.
أنني اطالب إخوننا الطارحين لمثل هذا الآراء، أن يتقوا الله في أنفسهم، ولا يسنوا في مجتمعنا سنة ينالون وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة
إني علي ثقة أن ولاة أمرنا يملكون من الغيرة، ما يجعلهم يرفضون مثل هذا التغيير والتبديل، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، كما أن الرئيس العام لرعاية الشباب، عُرف بغيرتة لايرضى مثل ذلك، أسأل الله لي ولهم التوفيق في الدارين، وأن يوفق ولي أمرنا، وولي عهده، لما يحبه ويرضاه وأن يصلح بهما البلاد والعباد، والله الموفق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الكاتب: الدكتور / صالح بن مقبل العصيمي التميمي.
المصدر: موقع صيد الفوائد.